|

19 رمضان 1445 هـ

مسابقة السيرة النبوية | استمع في دقيقة وربع إلى: " الشرك الأصغر" للدكتور/ صالح بن مقبل العصيمي التميمي | يمكنكم الأن إرسال أسئلتكم وسيجيب عليها فضيلة الشيخ الدكتور صالح العصيمي

سعادة الأستاذ خالد المالك رئيس تحرير جريدة الجزيرة

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد:

اطلعت على المقال الذي كتبه الأخ الدكتور/ عبدالكريم الأسعد في جريدتكم في العدد 13746 في يوم الثلاثاء 4-6-1431هـ.. بعنوان: قصتي مع السواقين ماذا لو قادت المرأة، ويستهل المقال بقوله: رجل طعن في السن وطعن بالأمراض، فأعيته قدراته، وأقعده ضعفه، وأناخ الدهر بكلكله، وعائلته كبيرة ليس فيها ذكر يساعد، ولا ولد يعاضد، ولا ظهير يساند، ونساء من هذه العائلة ممنوعات (نظاماً) من السياقة مع استطاعتهن ذلك ثم ذكر أخباراً له مع السائقين، والأعباء المالية التي تحملها ثم ذكر مساوئ السائقين. وأقول وبالله التوفيق:

أخي الفاضل الأديب الدكتور/ عبدالكريم الأسعد، إن مطالبتك المرأة بالسياقة للعلل التي ذكرتها لا تقوم بها من وجهة نظري حجة أمام الحجج التي اعتمد عليها علماء هذه البلاد، وأيدتها بذلك القيادة السياسية الحكيمة لهذه البلاد بمنع قيادة المرأة للسيارة، وبيان وزارة الداخلية الصادر في عام 1411هـ حيث جاء النص كما يلي:

تود وزارة الداخلية أن تعلن لعموم المواطنين والمقيمين أنه بناء على الفتوى الصادرة بتاريخ 20-4-1411هـ من كل من: سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والدعوة والإرشاد، وفضيلة الشيخ عبدالرزاق عفيفي نائب رئيس اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء وعضو هيئة كبار العلماء، وفضيلة الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن بن غديان عضو اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء وعضو هيئة كبار العلماء، وفضيلة الشيخ صالح بن محمد بن لحيدان رئيس مجلس القضاء الأعلى بهيئته الدائمة، وعضو هيئة كبار العلماء: بعدم جواز قيادة النساء للسيارات ووجوب معاقبة من يقمن منهن بذلك بالعقوبة المناسبة التي يتحقق بها الزجر والمحافظة على الحرم، ومنع بوادر الشر؛ لما ورد من أدلة شرعية توجب منع أسباب ابتذال المرأة أو تعريضها للفتن، ونظراً إلى أن قيادة المرأة للسيارة تتنافى مع السلوك الإسلامي القويم الذي يتمتع به المواطن السعودي الغيور على محارمه، فإن وزارة الداخلية توضح للعموم تأكيد منع جميع النساء من قيادة السيارة في المملكة العربية السعودية منعاً باتاً، ومن يخالف هذا المنع سوف يطبق بحقه العقاب الرادع، والله الهادي إلى سواء السبيل. ا. هـ.

ولي معك أخي وقفات:

1- ذكرت بأن المرأة ممنوعة من القيادة نظاماً، وهذا خطأ بيّن، فالمنع نظاماً وشرعاً، ولعل بيان وزارة الداخلية دليل على أن المنع النظامي صادر عن الفتوى الشرعية التي تقوم عليها هذه البلاد، وتمنيت أن هذه العبارة لم ترد في مقالك؛ لأن القاصي والداني يعرف أن عامة علماء هذه البلاد قد أفتوا بحرمة قيادة المرأة للسيارة.

2- ذكرت قصتك المثيرة عاطفياً مع السائقين ومطالبتهم المالية، وكيف أرهقتك، والرد على هذه من شقين:

الأول: هب أن التي عانت من عدم القدرة على القيادة امرأة كانت تقود، أو أن امرأتك تعاني مثلك، فإنكم هنا حتماً ستضطرون إلى سائق، فإذا كان المريض رجلاً واحتاج إلى سائق فهل المرأة لن تمرض، ولن تحتاج إلى سائق؟ فمثل هذا المبرر لا تقوم به حجة على جواز قيادة المرأة للسيارة.

الثاني: إذا كنت استكثرت أن تزيد سائقك الذي أثنيت على خلقه ولطافته مئتين وخمسين ريالاً، فكيف تستطيع شراء سيارات لبناتك والتي سوف تصل إلى مئات الألوف قطعاً؟! فمن عجز عن مبلغ زهيد أو استثقله فكيف بمبالغ ضخمة.

3- إن معاناتك مع السائقين: الهندي والتشادي والإريتري أنت من تتحمله؛ لأنك تعاملت مع سائقين بطرق غير نظامية، فالنظام لا يمنعك من استقدام سائق أو أكثر حسب حاجتك وبرواتب أقل، أما السائقون غير النظاميين قطعاً سوف تتعب معهم ويتعب غيرك معهم، فأنت لا تتحمل رسوم استقدامهم، ولا رسوم تجديد إقاماتهم، ولا تذاكر سفرهم وهذا يجعلهم ينتقلون حسب مصالحهم، بل وكنت سبباً في تمردهم على كفلائهم الذين دفعوا الأموال من أجل استقدامهم.

4- ذكرت أخي الكريم من فوائد قيادة المرأة للسيارة أموراً عدة منها:

أولاً: التخلص من العمالة السائبة التي ملأت الميادين والشوارع وتحمل شراً حقيقياً وآثاماً، وأقول: إني لأعجب أنك وصفت السائقين بالعمالة السائبة، وهذا يدل على أنك تتحدث عن قضية عامة، فالسائقون لأول مرة أعرف أنهم عمالة سائبة، وأقصد الخاصين، فكيف يصبحون سائقين خاصين للبيوت، ثم أصبحوا عمالة سائبة، وأظن أن التعبير قد خانك وأنت من أئمته، فالعمالة السائبة نتيجة استقدام الناس عمالة لا حاجة لهم بها، فكم يا ترى يمثل السائقون الخاصون من هذه النسبة أظنها نسبة لا تذكر؟

ثانياً: ذكرت من فوائد عدم استقدامهم التخلص من شهاداتهم المزورة وإني لأسأل أسئلة:

السؤال الأول: هل الشهادات المزورة محصورة في السائقين أم على جميع المهن؟

أظنك لا تخالفني بأنها عامة، بل وأظن أن السائقين من أقلهم، ناهيك عن أن السائقين فيهم العمومي والخاص وحديثنا عن الخاص، فهل ستمنع السائق العمومي أيضاً لنفس العلة المحتملة.

السؤال الثاني: هل أنت ستلغي جميع السائقين الخاصين والعموميين وسوف تتلخص بهذا من العمالة السائبة، ومن الشهادات المزورة؟! أظن أن الحل هو ما عملت به الجهات المسؤولة – وفقها الله – بأنها اشترطت حصولهم على رخص القيادة من داخل المملكة، وهذه بحمد الله لا يدخل فيها تزوير.

السؤال الثالث: هل السائقون الخاصون لا يستقدمون إلا من أجل أن المرأة لا تقود، فإذا قادت سيتوقف استقدامهم؟

قطعاً الجواب لا، فالسائق الخاص قد يكون ضرورة، وقد يكون حاجة، وقد يكون ترفاً، والبلاد التي تقود بها المرأة السيارة ملئت بالسائقين الخاصين، انظر إلى الدول الخليجية والتي لا تمنع المرأة من القيادة، والسائقون الخاصون في بعضها أكثر من السائقين الخاصين في بلادنا، فَعُلِم هنا أن السائق الخاص لم يأت لبلادنا بسبب منع قيادة المرأة للسيارة فقط، ولا أبالغ إذا قلت لك أن نسبتهم لن تنخفض كثيراً لو قادت المرأة السيارة – فالطاعن بالسن يريد سائقاً، وكذلك من فقد بصره أو ضعف ذكراً كان أو أنثى، أو العاجز والمريض والثري، وكلهم لن يستغنوا عن سائقين خاصين لسياراتهم، وإذا كان رب البيت اضطر إلى السائق لإيصال زوجه وأولاده لمدارسهم أو أعمالهم حتى لا يتأخر عن عمله، فهل ستقوم زوجته لو كانت موظفة بمهمة السائق؟ قطعاً كلا، فالذي منع زوجها من الذهاب بأولاده إلى مدارسهم خشية تأخره عن عمله سيكون مانعاً لزوجته أيضاً، ومن ثم لن يستغني بيته عن سائق، ولن تتخلص يا سعادة الدكتور من تحكمهم المهين برقابنا، واستغلالهم لحاجاتنا، فوجودهم أمر لا بد منه، فنتقبل حسناتهم ونتحمل سيئاتهم؛ لأن قيادة المرأة للسيارة لن تقضي عليهم.

5- ذكرت بأن التخلص منهم كعناصر مريبة بحكم مواقعهم والرد كسابقه، ناهيك أن العناصر المريبة حقاً والكاشفة لواقعنا حقيقة هن الخادمات والعاملات بالمنازل، وهن اللواتي يخشى منهن على البيوت، وهن أكثر من السائقين عدداً وأقل حاجة وأكثر خطراً، وليتك تكتب مقالاً كهذا المقال عنهن مع يقيني الجازم بأن السائق والخادمة أصبح وجودهما مما عمت به البلوى ولا تستغني عنهما كثير من البيوت.

6- ذكرت بأن الاستغناء عن السائقين سوف يوفر مليارات الريالات التي يحولونها إلى بلادهم، والرد على هذا من وجوه:

الوجه الأول: أن قيادة المرأة للسيارة لن تمنع من استقدام السائق الخصوصي والعمومي ومن ثم فالمليارات ستحول لبلدانهم لا محالة.

الوجه الثاني: أظن أيضاً يا سعادة الدكتور أن الشغالات يحولن أكثر فليتك تطالب بمنعهن حتى تبقى المليارات في بلادنا، إن كان تحويل المليارات يقض مضجعك فكأنك تريد بلادنا تأخذ ولا تعطي، والحمد لله يدها عليا، واليد العليا خير من اليد السفلى.

الوجه الثالث: إن كنت يا دكتور تنظر بهذه النظرة فأظنها نظرة ستقود أي بلد للتخلف، فهناك من سيقول لا داعي لأطباء وعلماء أكاديميين، ومهنيين وحرفيين وغيرهم حتى لا يحولوا المليارات.

وهناك من سيقول لا داعي للتقنية، وما أنتج في الشرق والغرب حتى لا نحول لبلادهم المليارات.

إن من عمل في بلد أو باع واشترى، ثم حول لأهله ما كسبه أو جزءا منه، فهذا حق مشروع له، فنحن نحول مليارات، وغيرنا يحول لنا مليارات، وهكذا تتبادل الناس المنافع، بل أظن أنك لو طالبت بأن يسمح للعامل والسائق بإحضار زوجه معه حتى لا يحول المليارات كلها، لكان أولى وأجدى، فمنعهم من استقدام أهلهم أصبح دافعاً لتحويلهم المليارات.

7- أظن أنه لو قادت المرأة السيارة فإننا لن نحول المليارات فقط، بل سنحول عشرات المليارات، لأننا سنضطر لشراء سيارة لكل فتاة موظفة أو طالبة في الجامعة، وما تحتاجه سياراتهن من صيانة وقطع غيار، فلو كان في بلادنا الآن ثلاثة ملايين سيارة، فستصبح ستة ملايين، فخمس بنات يوصلهن سائق واحد في سيارة واحدة، سوف يصبحن خمس سيارات، وخمس وعشرون فتاة توصلهن حافلة واحدة سوف يصبحن خمسا وعشرين سيارة، فنحن نرى في بلادنا في البيت الواحد خمسة شبان في المرحلة الثانوية والجامعية معهم سيارات، وكذلك الفتيات، بل أظن إرهاقهن المادي أكثر بكثير من إرهاق الشباب، فالمرأة لن تقنعها أي سيارة، والتنافس بينهن في الزينة لا يخفى على مثلك، فتنافسهن في شراء الجوالات خير شاهد ودليل، فهل يا ترى وفرنا المليارات أم خسرنا المليارات أضعافاً مضاعفة؟ ناهيك عن خسارة القيم والأخلاق.

بل إن قيادة المرأة للسيارة سوف تثقل كاهل الآباء، وستصيب البيوت بالخسائر والمشاكل. ناهيك عن الزحام العظيم الذي سيواجهه الناس. وأعطيك مثالاً: الطريق المؤدي إلى المطار يتجه معه سكان شرق وجنوب الرياض إلى جامعتي الإمام والملك سعود وإلى المطار وإلى عشرات الشركات، وفي القريب العاجل جامعة الأميرة نورة وهي سوف تستقطب أكثر من مائة ألف طالبة. فيا ترى هل سيتحمل هذا الطريق مائة ألف سيارة لمائة ألف طالبة وأكاديمية، إننا نخشى من زحامهن، وغالبهن سوف يأتين بحافلات جماعية، فكيف لو جئن فرادى، اللهم سلم سلم.

8- ذكرت أستاذنا الكريم من علل قيادة المرأة للسيارة علة أستكثرها من مثلك، وهي أن قيادة المرأة للسيارة سبب من أسباب التعرف على زوجة المستقبل، من خلال معرفة سلوكها في القيادة وحشمتها، فيا سبحان الله! لم تكتف بالمطالبة بالقيادة وإظهار الأمنية بذلك؛ بل تدعو أن تتابع المرأة عند القيادة، وأن ينظر إلى ملابسها هل هي محتشمة أم لا؟ أن يراقبها الرجال، حتى يحكموا من خلالها هل تصلح لهم زوجة أم لا؟ أظنك لو تأملت هذا السبب الذي أوردت من وجهك نظرك لندمت على إيراده، فهي دعوى مبطنة في أسلوب اختبار الفتيات، والحكم على عفتهن وأخلاقهن من خلال ملابسهن عند قيادتهن للسيارة، ليتك يا دكتور تأملت هذا السبب، والذي قد يؤدي إلى المعاكسات وإيذاء الفتيات، ومتابعتهن من قبل الرجال الأجانب عنهن، بحجة أنهم سوف يختبرونها؛ لأنهم ينوون الزواج بهن. وهكذا كل معاكس عندما يطارد الفتاة فسوف يبرر عمله بأنه يرغب الزواج بها، ولذا هو يريد أن يتأكد من ملابسها وحشمتها، وما أدرى ما تصنع الفتاة التي لم تقد السيارة، فهل تضيع عليها فرصة الزواج؛ لأنها لم تقد سيارة كغيرها، حتى تختبر.

9- ذكرت لنا نموذجاً لنساء اليمن والأردن ودول الخليج المحافظة التي تقود فيها النساء السيارات في بلادهن، فأقول: إن قيادتهن للسيارة لم تمنع من وجود السائقين؛ بل إنها في بعض الدول التي تقود فيها المرأة السيارة حتى غير الخليجية أصبح وجود السائق ظاهرة مشاهدة في تلك الدول، فلن تقتصر على السائقين، ناهيك عما صدر وحصل من مشاكل جراء قيادتهن، ليس هذا مجال بحثه.

وفي الختام أيها الدكتور الأديب، لا أشك لحظة أن مقالك هذا دافعه نية سليمة، وأنا على يقين أنك لو تأملت ما كتبتَه وما كتبتُه قد يكون لك رأياً آخر. كما أشكر في الختام لجريدة الجزيرة التي تسمح بالردود على مقالات كتابها، وإعطاء الجميع الحرية، وإتاحة الفرصة لهم دون تمييز، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.

قاله وكتبه:أبوعبد الإله الدكتور/صَالحُ بْنُ مُقبِلٍ العُصَيْمِيَّ التَّمِيمِيِّ

عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية

والمشرف العام على موقع الشيخ صالح بن مقبل العصيمي التميمي

تويتر، وفيس بوك DrsalehAlosaimi@

الرياض - ص.ب: 120969 - الرمز: 11689

فاكس وهاتف: 012414080

البريد الإلكتروني: s555549291@gmail.com