|

30 جمادى الأول 1446 هـ

مسابقة السيرة النبوية | استمع في دقيقة وربع إلى: " الشرك الأصغر" للدكتور/ صالح بن مقبل العصيمي التميمي | يمكنكم الأن إرسال أسئلتكم وسيجيب عليها فضيلة الشيخ الدكتور صالح العصيمي

 

الخطبة الأولى 

إن الحمد لله،نحمده،ونستعينه،ونستغفره،ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا،من يهد الله فلا مضل له،ومن يضلل فلا هادي له،وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،تعظيما لشأنه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله،وخليله - صلى الله عليه وعلى آله وصحبه،ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين،وسلم تسليما كثيرا . أما بعد ... فاتقوا الله- عباد الله- حق التقوى؛واعلموا أن أجسادكم على النار لا تقوى. واعلموا بأن خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم،وأن شر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة،وكل ضلالة في النار . 

إن التبين والتثبت في الأخبار والأقوال،من أهم واجبات المسلم ، ليتقي عواقب نشر الأخبار الكاذبة،وما ينتج عنه من أضرار سيئة على الفرد والمجتمع. قال تعالى: (ياأيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين)، وقال سبحانه: (ياأيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا). وإذا كان التبين والتثبت واجبا عند نقل أية أخبار؛ فإنه أوجب عند النقل عن النبي،صلى الله عليه وسلم، أوعن صحابته الأخيار، رضوان الله عليهم، فهناك العديد من الأحديث والقصص والروايات المكذوبة، يتناقلها الناس عن النبي،صلى الله عليه وسلم،وعن صحابتة،رضوان الله عليهم،حتى صارت وكأنها حقائق لا تقبل الشك بسبب كثرة تكرارها،بينما هي محض كذب وافتراء،ولو اتبع الوعاظ، والخطباء،والكتاب,ومستخدموا المواقع على شبكة الإنترنت،وغيرهم،مبدأ التثبت والتبين قبل التحدث بها؛لما انتشرت وذاعت، وإليكم بعضا من هذه الأحاديث المكذبة على النبي،صلى الله عليه وسلم، والقصص المنسوبة لصحابته الأخيار :

1- فقد اشتهر على ألسنة بعض الناس مقولة : "لعن الله الشارب قبل الطالب". وهذا خبر مكذوب،لا صحة له،ولكن ليس من باب الأدب أن يطلب إنسان الشرب؛ فيشرب غيره قبله،فليبدأ بالطالب، ثم من عن يمينه. 

1- يردد كثير من الناس أن النبي ،صلى الله عليه وسلم،قال : «ما خاب من استخار، ولا ندم من استشار»( )،وهذا الحديث موضوع، ونص على ذلك الإمام الألباني،رحمه الله،وغيره( ).وهذا الحديث وإن صح معناه ،ولكن الخطأ أن ينسب للنبي ،صلى الله عليه وسلم،كذبا وافتراء. فمشكلة بعض من يضعون الأحاديث؛ أنهم إذا أرادوا أن يوجهوا الناس إلى خير؛وضعوا حديثا يحث علي فعله،ثم نسبوه للنبي، صلى الله عليه وسلم،حتى يتقبله الناس،وهذا جرم عظيم،ومنكر كبير.

2- كذلك من الأخبار التي لا تصح حديث: (ناكح اليد ملعون). حيث ينشره كثير ممن يريدون أن يرهبوا الناس من الاستمناء باليد، ولا يحل لهم أن ينسبوا للنبي ،صلى الله عليه وسلم،ما لم يقله؛ففي الصحاح،والحسان ما يغني عن الضعيفات المنكرات. و قد ضعف هذا الحديث: ابن حجر والألباني وغيرهما. بل وكل حديث جاء في نكح اليد لم يثبت سنده. 

3- ومن الأخبار المكذوبة على الصحابة،رضوان الله عليهم،ذلك الخبر المكذب على الصديق،رضي الله عنه،وهو قوله:"وددت أني شعرة في جنب عبد مؤمن"وقد ضعفت هذا الأثر اللجنة الدائمة وهذا الأثر فيه قدح في خير هذه الأمة،بعد نبيها،صلى الله عليه وسلم،فيالسوء ما نسب له،رضي الله عنه وأرضاه. صديق الأمة،وأحد المبشرين بالجنة،بل ويدخل من أي أبوابها شاء؛يتمنى أن يكون شعرة في جنب عبد مؤمن؟! قاتل الله الكذب ومروجيه.

4- كذلك ما نسب إليه،رضي الله عنه، أنه قال : "والله لوددت أني كنت هذه الشجرة تؤكل وتعضد"، فهذا الأثر لا يصح سندا و لا متنا. أما السند فهو منقطع،وقالت اللجنة الدائمة : هذا الأثر غير صحيح؛ لأن الحسن لم يدرك أبا بكر، ومتنه فيه نكارة عظيمة؛ فلا يمكن للصديق المبشر بالجنة أن يكون بمثل هذا اليأس والقنوط، حتى يتمنى أن يتحول إلى جمادات: مرة شجر، ومرة شعر؛ ألا قاتل الله الكذب وأهله !

5- ومن الأخبار المكذوبة على الصحابة، رضوان الله عليهم، ما اشتهر على ألسنة بعض الوعاظ، وغيرهم من وأد عمر بن الخطاب، رضي الله عنه،لابنته في الجاهلية. وخلاصة الخبر أنه:(كان رضي الله عنه جالسا مع بعض أصحابه،إذ ضحك قليلا،ثم بكى، فسأله من حضر،فقال : كنا في الجاهلية نصنع صنما من العجوة،فنعبده،ثم نأكله،وهذا سبب ضحكي. أما بكائي،فلأنه كانت لي ابنة،فأردت وأدها،فأخذتها معي،وحفرت لها حفرة،فصارت تنفض التراب عن لحيتي،فدفنتها حية). وهذه القصة يتناولها الكثيرون دون أن يتثبتوا من صحتها،بينما هي كذب محض،وتحمل في طياتها الإساءة لعمر،رضي الله عنه،وقد أوردها بعض الرافضة في كتبهم،ونقلها عنهم بعض أهل السنة. ولم يشتهر الوأد في بني عدي،ولا أسرة الخطاب،التي عاشت منها فاطمة أخت عمر،وحفصة كبرى بناته،رضي الله عنهم أجمعين، وقد ولدت حفصة،رضي الله عنها، قبل البعثة بخمس سنوات فلم يئدها،فلماذا وأد الصغرى المزعومة ؟ ومن الأدلة على أن هذه القصة مكذوبة،عدم ورودها في كتب السنة والحديث،أو كتب الآثار والتاريخ ، ولا يعرف من مصادرها إلا ما يكذبه الرافضة الحاقدون،على عمر،رضي الله عنه،من غير دليل ولا حجة.

6- ومن الآثار المكذوبة ما اشتهر عن عمر،رضي الله عنه،أنه قال: "لو قيل :كل الناس يدخلون الجنة إلا رجلا؛لظننت أنه أنا". لقد اشتهر هذا الأثر على ألسنة كثير من الوعاظ في باب الترهيب والتخويف من عذاب الله،وقد سئلت عنه اللجنة الدائمة( )، فقالت: "لم يثبت عن عمر،رضي الله عنه،أنه قال ذلك - فيما نعلم- بل هذا لا يتفق مع قوة إيمان عمر،رضي الله عنه،وحسن ظنه بربه،ورجائه فيه". قلت:بل وفي هذا الخبر تمييز لجميع الفساق على الفاروق،رضي الله عنه،وفيه تكذيب لما في الصحيحين أن له قصرا في الجنة.فكيف يظن بعمر،رضي الله عنه،مثل هذا اليأس والقنوط،وهو المبشر بجنات ونهر؟!

7- ومن القصص المشهورة، قصة ثعلبة بن حاطب الصحابي الجليل، رضي الله عنه،المفترى عليه في تركه للصلاة،ومنعه للزكاة، وخلاصتها،أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ادع الله أن يرزقني مالا، فوالذي بعثك بالحق، لئن دعوت الله فرزقني مالا لأعطين كل ذي حق حقه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم ارزق ثعلبة مالا» . قال: فاتخذ غنما، فنمت كما ينمو الدود، فضاقت عليه المدينة فتنحى عنها،فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلين على الصدقة،فقال ثعلبة: ما هذه إلا أخت الجزية، فانطلقا حتى أتيا النبي صلى الله عليه وسلم،فأخبراه بالذي صنع ثعلبة، فأنزل الله تبارك وتعالى فيه: (ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين (75) فلما آتاهم من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضون (76) فأعقبهم نفاقا في قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون) .فأتى ثعلبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فسأله أن يقبل منه صدقته. فقال: «إن الله منعني أن أقبل منك صدقتك» فجعل يحثي على رأسه التراب، فقال له رسول ،صلى الله عليه وسلم: «هذا عملك، قد أمرتك فلم تطعني» .وقبض رسول الله،صلى الله عليه وسلم،ولم يقبل منه شيئا.وكذلك الخلفاء من بعده. 

وهذه القصة يرويها فئام من الناس،دون تثبت من صحتها، وهي قصة ضعيفة جدا، سندا ومتنا،وقد ضعفها جمع من العلماء،منهم: القرطبي،والذهبي،والعراقي،والألباني.وغيرهم من أهل العلم. هذا من ناحية السند،أما من ناحية المتن: فإن القصة مخالفة للقرآن الكريم،ولسنة رسول الله،صلى الله عليه وسلم،حيث جاء القرآن والسنة بقبول توبة التائب،مهما كان عمله ما لم يغرغر،أو تطلع الشمس من مغربها. وتفيد هذه القصة أن الرسول،صلى الله عليه وسلم،وأصحابه الثلاثة،رضى الله عنهم،لم يقبلوا توبة ثعلبة بن حاطب.كما أنها تخالف الأحاديث الواردة عن رسول الله،صلى الله عليه وسلم، في أن مانع الزكاة تؤخذ منه الزكاة،ويؤخذ منه شطر ماله.

وأقول قولي هذا، وأستغفر الله..

                                               الخطبة الثانية

الحمد لله على إحسانه،والشكر له على عظم نعمه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله،وحده لا شريك له،تعظيما لشأنه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله،وخليله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه،ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين،وسلم تسليما كثيرا . أما بعد ...... فاتقوا الله - عباد الله- حق التقوى،واستمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى،واعلموا أن أجسادكم على النار لا تقوى .

8- ومن القصص المكذوبة أن رجلا من أهل مصر أتى عمر بن الخطاب،رضي الله عنه،فقال: "يا أمير المؤمنين، عائذ بك من الظلم، قال: عذت معاذا قال: سابقت ابن عمرو بن العاص فسبقته، فجعل يضربني بالسوط ويقول: أنا ابن الأكرمين؛ فكتب عمر إلى عمرو -رضي الله عنهما- يأمره بالقدوم ويأتي بابنه معه، فقدما، فقال عمر: أيها المصري؟ خذ السوط فاضرب؛ فجعل يضربه بالسوط،ويقول عمر: اضرب ابن الأكرمين، قال راوي القصة: فضرب، فوالله؛ لقد ضربه ونحن نحب ضربه، فما أقلع عنه،حتى تمنينا أن يرفع عنه، ثم قال عمر للمصري: ضع على صلعة عمرو. فقال: يا أمير المؤمنين إنما ابنه الذي ضربني،وقد اشتفيت منه. فقال عمر لعمرو: مذ كم تعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا؟! قال: يا أمير المؤمنين،لم أعلم، ولم يأتني". وفي هذه القصة المكذوبة التي لا سند لها،ولا مصدر صحيح يعتد به،هذا من حيث السند،أما من حيث المتن؛فإن فيها طعنا في أمير المؤمنين عمر،رضي الله عنه؛حيث آخذ عمرو بن العاص،رضي الله عنه،بذنب ولده،والله تعالى يقول:( قل أغير الله أبغي ربا وهو رب كل شيء ولا تكسب كل نفس إلا عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى ثم إلى ربكم مرجعكم فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون). بل وفيها إساءة لصحابي جليل سعى الرافضة لتشويه اسمه،في كتب أدبهم - ولا أدب فيها - وهو فاتح مصر،وأحد قادة الإسلام الكبار الذين أرسوا العدل في الأرض.هذا الصحابي الجليل هو عمرو بن العاص،رضي الله عنه،الذي شهد له الرسول،صلى الله عليه وسلم،بالإيمان في قوله:«أسلم الناس وآمن عمرو بن العاص»، وقوله ،صلى الله عليه وسلم،:""ابنا العاص مؤمنان: عمرو وهشام.

وكان عمر بن الـخطاب،رضي الله عنه،إذا رأى الرجل يتلجلج في كلامه يقول:"أشهد أن خالق هذا وخالق عمرو بن العاص واحد.

وقال عنه الـحافظ ابن عبد البـر،رحـمه الله،:"كان عمرو بن العاص من فرسان قريش وأبطالـهم في الـجاهلية،مذكورا بذلك فيهم"،وقال فيه الحـافظ ابن حجر :"ولما أسلم كان النبي ،صلى الله عليه وسلم،يقربه ويدنيه؛لمعرفته وشجاعته.

اللهم احم بلادنا وسائر بلاد الإسلام من الفتن,والمحن ما ظهر منها وما بطن، اللهم وفق ولي أمرنا,لما تحب وترضى،وخذ بناصيته للبر والتقوى،اللهم اجعله سلما لأوليائك، حربا على أعدائك،اللهم ارفع راية السنة،وأقمع راية البدعة،اللهم احقن دماء أهل الإسلام في كل مكان،«اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر». اللهم أكثر أموال من حضر، وأولادهم، وأطل على الخير أعمارهم، وأدخلهم الجنة. 

سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين،والحمد لله رب العالمين. 

وصلوا وسلموا على نبيكم...