|

7 جمادى الأول 1446 هـ

مسابقة السيرة النبوية | استمع في دقيقة وربع إلى: " الشرك الأصغر" للدكتور/ صالح بن مقبل العصيمي التميمي | يمكنكم الأن إرسال أسئلتكم وسيجيب عليها فضيلة الشيخ الدكتور صالح العصيمي


الخُطْبَة الأُولَى:

إنَّ الحمدَ للهِ، نَحْمَدُهُ، ونستعينُهُ، ونستغفِرُهُ، ونعوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أنفسِنَا وسيئاتِ أعمالِنَا، مَنْ يهدِ اللهُ فلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شريكَ لَهُ، تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وأشهدُ أنَّ مُحَمَّدًا عبدُهُ ورسُولُهُ، وَخَلِيلُهُ - صَلَّى اللهُ عليهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كثيرًا . أمَّا بَعْدُ ...

عِبَادَ اللَّهِ، لَقْدْ نَزَلَتْ فِي الْعَالَمِ مُنْذُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ نَازِلَةٌ عَظِيمَةٌ، وَوَبَاءٌ عَمَّ وَطَمَّ: وَاجْتَاحَ الْعَالَمَ بأَسْرِهِ. 

والْوَبَاءُ خَلْقٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ، يُخْرِجُهُ مَتَى شَاءَ، وَيَرْفَعُهُ مَتَى شَاءَ، وَقُدْرَةُ اللَّهِ جَلَّ وَعَلَا عَظِيمَةٌ: وَأَمْرُهُ نَافِذٌ، وَحُكْمُهُ مَاضٍ، فَلَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ.

فَلَقَدْ تَأَثَّرَ الْنَّاسُ حِينَ حَالَ انْتَشَارُ الْوَبَاءِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الصلاة بالْمَسَاجِدِ؛ حِمَايَةً لَهُمْ مِنَ الْوَبَاءِ؛ 

ولكن :سِعَةُ رَحْمَةِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَلُطْفُهُ بِعِبَادِهِ عَظِيْمَةٌ.حَيْثُ يَسَّرَ لِعِبَادِهِ الْعَودَةُ إِلَى الصَّلَاةِ بالْمَسَاجِدِ مَرَّةً أُخْرَى، مِنْ لُطْفِ اللَّهِ بِهم؛ فَفِيهَا أُنْسُهُمْ وَرَاحَتُهُمْ؛ حَيْثُ مُنَاجَاةُ رَبِّهِمْ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى؛ وَالرَغْبَةُ بِمَا عِنْدَهُ؛ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ غَدَا إِلَى الْمَسْجِدِ أَوْ رَاحَ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُ فِي الْجَنَّةِ نُزُلًا كُلَّمَا غَدَا أَوْ رَاحَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

(قُلۡ بِفَضۡلِ ٱللَّهِ وَبِرَحۡمَتِهِۦ فَبِذَٰلِكَ فَلۡيَفۡرَحُواْ هُوَ خَيۡرٞ مِّمَّا يَجۡمَعُونَ " فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾.فَلَهُ الْحَمْدُ وَلَهُ الشُّكْرُ حَتَّى يَرْضَى؛ حَمْدًا وَشُكْرًا يَلِيقُ بِجَلَالِهِ وَعَظَمَتِهِ؛فعَلَيْنا أَنْ نَشْكُرَ اللَّهَ تَعَالَى عَلَى نِعَمِهِ الْعَظِيْمَةِ  وَمِنْهَا: نِعْمَةِ الْإِيمَانِ، وَنِعْمَةِ الصَّلَاةِ، وَنِعْمَةِ الْمَسَاجِدِ؛ بِالْمُحَافَظَةِ عَلَى الصَّلَوَاتِ مَعَ الْجَمَاعَةِ فِي الْمَسَاجِدِ، مَعَ أَخْذِ الِاحْتِيَاطَاتِ اللَّازِمَةِ لِلْوِقَايَةِ مِنَ الْوَبَاءِ وَالتَّقَيُّدِ بِالتَّعْلِيمَاتِ الصَّادِرَةِ مِنَ وَزَارَةِ الْشُؤونِ الإِسْلَامِيَّةِ.

 وَلَا نَجَاةَ لِلْعِبَادِ مِنْ أَزَمَاتِهِمْ إِلَّا بِاللَّهِ تَعَالَى، وَلَا حِفْظَ لَهُمْ مِنَ الْوَبَاءِ وَآثَارِهِ إِلَّا بِاللَّهِ سُبْحَانَهُ، فَوَجَبَ أَنْ تَتَوَجَّهَ الْقُلُوبُ إِلَيْهِ رَغَبًا وَرَهَبًا، رَجَاءً وَخَوْفًا.

عِبَادَ اللَّهِ: إِنَّ مِنْ عَقِيدَةِ الْمُسْلِمِ الْعَمَلَ بِالْأَسْبَابِ الشَّرْعِيَّةِ، وَالْأَخْذَ بِالِاحْتِيَاطَاتِ اللَّازِمَةِ، الَّتِي أَوْجَبَهَا اللَّهُ عَلَى عِبَادِهِ، وَقَدْ بَذَلَتْ دَوْلَتُنَا الْمُبَارَكَةُ -أَعَزَّهَا اللَّهُ وَحَفِظَهَا- جُهُودًا عَظِيمَةً لِلْحَدِّ مِنْ هَذَا الْبَلَاءِ وَإِيقَافِهِ، وَاتَّخَذَتْ كَافَّةَ الِاحْتِيَاطَاتِ اللَّازِمَةِ، وَبَذَلَتْ مِنْ وَقْتِهَا وَمَالِهَا، وَضَحَّتْ بِمَصَالِحِهَا، كُلُّ ذَلِكَ مِنْ أَجْلِ الْمُحَافَظَةِ عَلَى سَلَامَةِ أَبْنَاءِ وَطَنِهَا، وَالْمُقِيمِينَ عَلَيْهَا، وَالْوَافِدِينَ إِلَيْهَا، وَهِيَ جُهُودٌ تُذْكَرُ فَتُشْكَرُ، حَتَّى أَصْبَحَتْ مَضْرِبَ مَثَلٍ لِجَمِيعِ دُوَلِ الْعَالَمِ بِحُسْنِ التَّعَامُلِ مَعَ الْحَدَثِ، وَالْإِنْفَاقِ بِسَخَاءٍ لِمُوَاجَهَتِهِ، وَبِسَخَاءٍ أَكْثَرَ عَلَى عَزْلِ مَنْ أُصِيبُوا بِهِ، وَعِلَاجِهِمْ، وَالْمُشْتَبَهِ بِإِصَابَتِهِمْ وَالْمُخَالِطِينَ لَهُمْ، إِنَّهُ أَمْرٌ لَا يُنْكِرُهُ ذُو مُرُوءَةٍ وَدِينٍ، وَلَا يُنْكِرُهُ مَنْ يَخْشَى الْوُقُوفَ بَيْنَ يَدَيْ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

وَهَذِهِ الْأَعْمَالُ الْجَلِيلَةُ لَا يُمْكِنُ أَنْ تُؤْتِيَ ثِمَارَهَا كَامِلَةً دُونَ التَّعَاوُنِ مِنَ الْجَمِيعِ، وَالِانْصِيَاعِ لِلْأَوَامِرِ الصَّادِرَةِ مِنْ وَلِيِّ أَمْرِنَا وَوَلِيِّ عَهْدِهِ، -حَفِظَهُمَا اللَّهُ وَوَفَّقَهُمَا لِمَا يُحِبُّ وَيَرْضَى- وَمِنَ الْجِهَاتِ الْمُخَوَّلَةِ، كوزارات الدَّاخِلِيَّةِ، والْشُؤونِ الإِسْلَامِيَّةِ، وَالصِّحَّةِ.

وَتَنْفِيذُ الْأَوَامِرِ، وَالْتِزَامُ التَّوْجِيهَاتِ، وَالْعَمَلُ بِالتَّعْلِيمَاتِ وَاجِبٌ شَرْعِيٌّ، وَمَسْؤُولِيَّةٌ عَظِيمَةٌ؛ مُلْقَاةٌ عَلَى عَوَاتِقِ النَّاسِ، فَلَا مَجَالَ لِلتَّهَاوُنِ، وَاللَّامُبَالَاةِ، وَلَا مَجَالَ لِلسَّمَاحِ لِلْمُسْتَهْتِرِينَ بِأَرْوَاحِ النَّاسِ.

فَلَقَدْ أَوْجَبَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَلَيْنَا أَخْذَ الْحَذَرِ، وَهَذَا لَا يُنَافِي التَّوَكُّلَ، وَلَا يُعَارِضُهُ، بَلْ هُوَ الْمُتَّفِقُ مَعَ مَقَاصِدِ الشَّرِيعَةِ وَتَعَالِيمِهَا، قَالَ تَعَالَى:" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ " فَيَأْمُرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ بِأَخْذِ الْحَذَرِ مُطْلَقًا لِكُلِّ مَا فِيهِ ضَرَرٌ عَلَيْهِمْ، وَالْأَخْذِ بِالْأَسْبَابِ الَّتِي يُسْتَعَانُ بِهَا عَلَى دَفْعِ الْأَضْرَارِ، فَيَجِبُ الِاحْتِرَازُ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ مُخِيفٍ.

عِبَادَ اللَّهِ؛ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ عِبَادَهُ بِأَنْ لَا يَعْتَدُوا؛ لِأَنَّ الِاعْتِدَاءَ شَرٌّ مَحْضٌ، وَمِنَ الِاعْتِدَاءِ الْإِضْرَارُ بِالنَّاسِ، وَنَشْرُ الْأَوْبِئَةِ بَيْنَهُمْ وَعَدَمُ الِالْتِزَامِ بِالتَّعْلِيمَاتِ الصَّادِرَةِ مِنْ جِهَاتِ الِاخْتِصَاصِ، وَعَدَمُ أَخْذِ الِاحْتِيَاطَاتِ، فَهُنَاكَ مَنْ يَسْتَهِينُ بِهَا؛ لِغُرُورٍ بِنَفْسِهِ، أَوْ سَخَافَةٍ بِعَقْلِهِ، أَوْ تَرَفُّعٍ مِنْهُ، فَيَسْتَهِينُ بِمَسْأَلَةِ لُبْسِ الْكِمَامَةِ، أَوْ الْمُصَافَحَةِ، فَيَضُرُّ بِنَفْسِهِ، وَبِغَيْرِهِ، نَاهِيكَ عَنِ الْإِثْمِ بِمُخَالَفَتِهِ وَلِيَّ أَمْرِنَا الَّذِي أَوْجَبَ اللَّهُ عَلَيْنَا طَاعَتَهُ، مِنْ غَيْرِ مَعْصِيَةٍ، فَالِاسْتِهَانَةُ بِأَرْوَاحِ النَّاسِ مِنَ الِاعْتِدَاءِ الَّذِي حَرَّمَهُ الشَّرْعُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: "إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ" فَعَلَيْنَا الْتِزَامُ مَا أَوْجَبَ اللَّهُ عَلَيْنَا الْتِزَامَهُ، وَأَلَّا نَتَعَدَّى عَلَى حُقُوقِ الْغَيْرِ فَنَضُرَّ بِهِمْ.

إِنَّ مَنِ اسْتَهَانَ بِالتَّعْلِيمَاتِ، وَسَاهَمَ فِي نَشْرِ الْوَبَاءِ، فَهُوَ مِنَ الْمُعْتَدِينَ الْآثِمِينَ، فَلْنَتَقِّ اللَّهَ جَمِيعًا فِي أَنْفُسِنَا، وَلْنَتَقَيَّدْ بِأَوَامِرِ وُلَاةِ أَمْرِنَا، كَفَانَا اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ كُلَّ شَرٍّ، وَحَمَانَا مِنْ كُلِّ فِتْنَةٍ.

أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى عِظَمِ نِعَمِهِ وَاِمْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَحْدَهُ لَا شريكَ لَهُ، تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وَأَشَهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدَهُ وَرَسُولُهُ، وَخَلِيلَهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ ،وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمَاً كَثِيرَاً . أمَّا بَعْدُ ...... فَاِتَّقُوا اللهَ - عِبَادَ اللهِ- حَقَّ التَّقْوَى، وَاِسْتَمْسِكُوا مِنَ الْإِسْلَامِ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى، وَاِعْلَمُوا أَنَّ أَجْسَادَكُمْ عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى.

عِبَادَ اللَّهِ؛ إِنَّ مَنِ الْتَزَمَ بِالتَّعْلِيمَاتِ، وَنَفَّذَ التَّوْجِيهَاتِ، فَإِنَّهُ يَنَالُ أَجْرًا عَظِيمًا، وَكُلَّ مَنْ سَاهَمَ بِالْمُحَافَظَةِ عَلَى أَرْوَاحِ النَّاسِ مِنْ وُلَاةِ أَمْرِنَا، وَرِجَالِهِمْ الْمُخْلِصِينَ فِي كَافَّةِ الْقِطَاعَاتِ الَّتِي تَتَعَامَلُ مَعَ مُكَافَحَةِ الْوَبَاء، وَكُلَّ مَنِ الْتَزَمَ بِالتَّعْلِيمَاتِ حِرْصًا مِنْهُ عَلَى أَرْوَاحِ النَّاسِ، فَبَشِّرْهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى:" وَمَنۡ أَحۡيَاهَا فَكَأَنَّمَآ أَحۡيَا ٱلنَّاسَ جَمِيعاًۚ".

فَفِي هَذِهِ الْآيَةِ بَيَانٌ لِقِيمَةِ الْأَنْفُسِ الْبَشَرِيَّةِ، وَوُجُوبِ الْمُحَافَظَةِ عَلَيْهَا، وَكُلُّ مَنْ حَافَظَ عَلَى أَرْوَاحِ النَّاسِ، وَسَاهَمَ بِحِمَايَتِهَا، فَهِيَ كَحِمَايَةِ جَمِيعِ الْأَنْفُسِ، وَإِنْقَاذُ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ مِنَ الْهَلَاكِ، كَإِنْقَاذِ جَمِيعِ الْأَنْفُسِ مِنَ الْهَلَاكِ. اللَّهُمَّ احْفَظْنَا بِحِفْظِكَ، وَوَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا، وَوَلِيَّ عَهْدِهِ لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى؛ وَاحْفَظْ لِبِلَادِنَا الْأَمْنَ وَالْأَمَانَ، وَالسَّلَامَةَ وَالْإِسْلَامَ، وَانْصُرِ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى حُدُودِ بِلَادِنَا؛ وَانْشُرِ الرُّعْبَ فِي قُلُوبِ أَعْدَائِنَا؛ وَاجْعَلْنَا هُدَاةً مَهْدِيِّينَ غَيْرَ ضَالِّينَ وَلَا مُضِلِّينَ؛ وَنَسْأَلُهُ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ؛. رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ العزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلَامٌ عَلَى الْـمُرْسَلِينَ، وَالحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ. وَقُومُوا إِلَى صَلَاتِكمْ يَرْحَـمـْكُمُ اللهُ.