|

30 جمادى الأول 1446 هـ

مسابقة السيرة النبوية | استمع في دقيقة وربع إلى: " الشرك الأصغر" للدكتور/ صالح بن مقبل العصيمي التميمي | يمكنكم الأن إرسال أسئلتكم وسيجيب عليها فضيلة الشيخ الدكتور صالح العصيمي

حفظ الإسلام للعقل أن يتجاوز حده في محاولة أن يصل إلى ما لا يبلغه عقل بشري، فنهى عن تتبع المتشابه, وعن التفكر في الذات الإلهية, والخوض في كيفيتها, فموقف الإسلام الوسطي من العقل هو المنهج الذي يجب أن يسير عليه من أراد الفلاح في الدارين. إن موقف الإسلام من منع العقل من الخوض فيما لا يحسنه نعمة كبرى من نعم الله علينا, ولكن ضعفاء العقول, وأعداء الإسلام, جعلوا هذه النعمة نقمة, وهذه الحسنة سيئة, بل ضخموا منها حتى وسموا الإسلام بأنه يُحجِّرُ العقل بتضييق نطاق إعماله, ويكفي في رد هذه الفرية، وبيان زيفها شهادة واقع العقل البشري وما يعيشه من أزمات وتخبط وتيه وتناقض كلما أُعمل العقل في غير مجاله، وهذا يثبت أن الموقف السليم من العقل هو إعطاؤه مكانته لا إفراط فيها ولا تفريط، ومع ذلك مازال فئام من الناس وهم خليط من بعض المثقفين والمفكرين مع بعض المنتسبين للفرق المخالفة لأهل السنة على تصديقهم هذه الفرية، بوصفهم أهل السنة بأنهم مهملون للعقل ولا يعطونه ما يستحقه من مكانة، وسوف أحاول في بعض هذه المقالات أن أثبت الحقيقة وهي العكس، بأدلة من العقل والنقل حتى نعلم مَن الذين عقولهم في إجازة, لأن إهمال العقل على الإطلاق لا يقول به عاقل, لأنه يصادم أدلة الكتاب والسنة, فمبلغو الرسالة وحملة الأمانة\ أعقل العقلاء وقد أعطوا العقل مكانته التي يستحقها لا إفراط ولا تفريط، وأنكر أهل السنة على من أنكر أن يكون للعقل دور في المعرفة محتجا بأن أحكام العقل متناقضة ومضطربة، وعد أهل السنة هذا الصنيع تعنتا ومكابرة، لأن العلوم الثابتة ببديهة العقل ضرورية كالعلم بأن الشيء أعظم من جزئه, وقد عد أهل السنة من أنكر العقل بمثابة من أنكر الحس، وهذه الفئة ليس لها إلا المكابرة والعناد؛ لذا أجمع علماء السنة على أنه لا مناظرة مع أمثال هؤلاء, كما لا حجة لهم في تناقض أحكام العقل، فالقضايا العقلية لا تكون متناقضة قط, ولا يقع التناقض إلا عند التقصير في النظر, ودخول الوهم والهوى, أو العاطفة, أو التعصب أو التقليد الأعمى وغيرها من المؤثرات, فهذه الفئة المنكرة للعقل على الإطلاق لا يعتد بها, وليست من منهج أهل السنة والجماعة على شيء, فللعقل عند أهل السنة والجماعة مكانة عالية, سيراً على عناية الإسلام الفائقة بالعقل، حيث جعله من الضروريات الخمس التي يجب المحافظة عليها, فجاء الإسلام بتحريم كل ما من شأنه أن يعطل العقل أو يضعفه, فحرم الخمر والمخدرات, وما شابهها, وذم الإسلام ما يحول بين العقل وأدائه وظيفته كالتقليد الأعمى, لأن المقلد الأعمى أعطى عقله إجازة وسلمه لغيره دون محاورة أو نقاش, وحرم الإسلام كل ما ينافي العقل من الأوهام كالخرافات, والتشاؤم, والتطير، والكهانة, والسحر, والشعوذة.

ولقد بوأ الإسلام للعقل مكانته ولا يوجد كتاب اهتم بقيمة العقل وكرامته كالقرآن الكريم، فلا يذكر في القرآن إلا في مقام التعظيم والحث على وجوب إعماله، وجاءت دعوة القرآن إلى استعمال العقل في آيات كثيرة، بلغت قرابة خمسين آية، بل يورد عشرات الآيات الحاسة على إيقاظ الحس، والتفكر والتفقه، وطلب الحجة والبرهان، وهذه لا غناء لها عن العقل، فخاطب الإسلام العقلاء بتوجيه الخطاب للعقل مباشرة، ومن ذلك قوله تعالى (وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون) وقال تعالى (إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون) وقال تعالى (إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون)، وقال تعالى (أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون)، وقال تعالى (وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير)، والعقل لم يرد في القرآن مصدرا قط، وقد وردت مرادفات له كالألباب، والنهى، والحجر، قال تعالى (إن في ذلك لآيات لأولي الألباب)، وقال تعالى (إن في ذلك لذكرى لأولي النهى)، والمتأمل في هذه الآيات وغيرها التي عنيت بالعقل تجدها تفيض بالدعوة إلى التدبر والتفكر، وإلى إنعام النظر في آيات الله، بأساليب عدة:

  1. تارة يمدح أهل العقل ويخصهم بالخطاب كقوله تعالى (كذلك نفصل الآيات لقوم يعقلون).
  2. وتارة يرغب في استعمال العقل كقوله تعالى (كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تعقلون).
  3. وتارة يظهر التعجب لمن عطل العقل كقوله تعالى (قل لو شاء الله ما تلوته عليكم ولا أدراكم به فقد لبثت فيكم عمرا من قبله أفلا تعقلون).
  4. وتارة يذم ذما بالغا من يهملون عقولهم كقوله تعالى ( إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون).

فهذه الأساليب المتعددة في الدعوة إلى استعمال العقل تؤكد مكانة العقل وتنبه الإنسان إلى أن من واجباته التفكر، والتدبر، والتعقل، فلا ينبغي له أن يتنازل عن أهم واجباته بتعطيل عقله، لأن هذا التنازل قد ينقله عن الإنسانية. إن دعوة القرآن لإعمال العقل تفتح المدارك، وتثير التفكير، وتدعو للاستزادة من العلوم ، فإعمال العقل يزيد الإيمان لأنه يقتضي التأمل والتدبر في خلق الله السماوات والأرض، والإنسان، والحيوان، والدواب والجمادات، فهل بعد هذا شك في أن الإسلام هو الدين الذي احترم العقل؟ لا كالأديان التي عطلته، وجعلته جامدا. وللحديث بقية.

قاله وكتبه:أبوعبد الإله الدكتور/صَالحُ بْنُ مُقبِلٍ العُصَيْمِيَّ التَّمِيمِيِّ

عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية

والمشرف العام على موقع الشيخ صالح بن مقبل العصيمي التميمي

تويتر، وفيس بوك DrsalehAlosaimi@

الرياض - ص.ب: 120969 - الرمز: 11689

فاكس وهاتف: 012414080

البريد الإلكتروني: s555549291@gmail.com